فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [لا أَحَدَ أَصْبَرُ على أذىً يَسْمَعُهُ من الله عز وجل، إنه يُشرك به، ويُجْعلُ له الولد، ثم هو يعافيهم ويرزقهم] (١).
وفي لفظ: [ما أحَدٌ أصبرَ على أذىً يَسْمَعُه من الله تعالى، إنهم يجعلون له نِدًّا، ويجعلونَ له وَلَدًا، وهو مع ذلك يَرْزقُهم ويُعَافيهم وَيُعطيهم].
وقوله: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾.
قال القرطبي: (أي ما المسيح وإن ظهرت الآيات على يديه فإنما جاء بها كما جاءت بها الرسل، فإن كان إلهًا فليكن كل رسول إلهًا، فهذا ردّ لقولهم واحتجاج عليهم).
وفي التنزيل: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾ [الزخرف].
وقوله: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ أي مؤمنة صادقة، آمنت بالله وصدقته بآياته.
وعن الحسن: (إنما قيل لها صديقة لكثرة تصديقها بآيات ربها وتصديقها ولدها فيما أخبرها به).
قلت: والآية لا تدل أنها كانت نبيّة. فإن الله لم يبعث بالنبوة والرسالة إلا الرجال.
قال الحافظ ابن كثير -في التفسير-: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ أي: مؤمنة به مصدقة له، وهذا أعلى مقاماتها، فدَلّ على أنها ليست بنبيّة، كما زعمه ابن حزم وغيره، ممن ذهب إلى نبوة سارَّة أُمِّ إسحاق، ونبوة أم موسى، ونبوة أم عيسى، استدلالًا منهم بخطاب الملائكة لسارَّة ومَرْيم، وبقوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: ٧]. وهذا معنى النبوة. والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيًّا إلا من الرجال، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى... ﴾ [يوسف: ١٠٩].
وقوله: ﴿كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾.
أي هما كسائر البشر لا تقوم حياتهما دون غذاء، ومن كان هذا شأنه فلا يصلح إلهًا.