قال ابن جرير: (لأن علاج مثل ذلك لا يدّعيه أحدٌ من البشر، إلا من أعطاه الله مثل الذي أعطى عيسى، وكذلك علاجُ الأبرص).
وقوله: ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. قال ابن كثير: (قال كثير من العلماء: بعث الله كُلَّ نبي من الأنبياء بمعجزة تُناسب أهلَ زمانه، فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة. فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سَحّار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام، وصاروا من عباد الله الأبرار. وأما عيسى عليه السلام، فبعثه في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه. إلا أن يكون مُؤيّدًا من الذي شرع الشريعة. فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعثِ من هو في قَبْرِه رهين إلى يوم التناد؟ وكذلك محمد - ﷺ -، بعثه الله في زمن الفصحاء والبُلغاء ونحارير الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله عزَّ وجلَّ، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله، لم يستطيعوا أبدًا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وما ذاك إلا لأن كلام الرب عزَّ وجلَّ لا يشبه كلام الخلق أبدًا).
وقوله: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾. قال مجاهد: (بما أكلتم البارحة، وما خبأتم منه. عيسى بن مريم يقوله). وقال عطاء بن أبي رباح: (الطعام والشيء يدخرونه في بيوتهم، غيبًا علمه الله إياه).
والمقصود: يخبرهم عيسى بإذن ربه ما أكل أحدهم وما هو مدّخر للغد.
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. يعني ما سبق ذكره من معجزات وآيات، فيها عبرة لهم، إن كانوا يصدقون بحجج الله ويقرون بتوحيده.
وقوله: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾. يعني يوافق ما جاءهم في التوراة مما قرّرته من أصول الدين ومقاصده. ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾: قال قتادة: (كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى، وكان قد حُرّم عليهم فيما جاء به موسى لحومُ الإبل والثروب (١)، وأشياء من الطير والحيتان).
وقال محمد بن جعفر بن الزبير: (أي أخبركم أنه كان حرامًا عليكم فتركتموه، ثم أحله لكم تخفيفًا عنكم، فتصيبون يُسْرَه، وتخرجون من تِباعَته).