أخرج البزار والنسائي وابن جرير بسند صحيح عن عبد الله بن الزبير قال: [نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ الآية] (١).
قال القرطبي: (وهذه أحوال العلماء يبكون ولا يصعقون، ويسألون ولا يصيحون، ويتحازنون ولا يتموّتون، كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣].
وقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢]).
وقوله: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾.
أي: مع محمد - ﷺ - وأمته الذين يشهدون بالحق، وهم أمة الشهادة على الناس في الدنيا والآخرة.
وفي التنزيل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣]. قال الحسن: (الذين يشهدون بالإيمان). وقيل: الذين يشهدون بتصديق نبيك وكتابك.
وقال ابن عباس: (﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾، قال: محمد - ﷺ - وأمته، إنهم شهدوا أنه قد بَلَّغ، وشهدوا أن الرسل قد بلغت).
قلت: وقد جاءت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى:
أولًا - في الدنيا: هم أمة الشهادة على الناس يقبل الله شهادتهم.
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم وأحمد وأهل السنن عن أنس رضي الله عنه قال: [مُرَّ على النبي - ﷺ - بجنازة، فأثني عليها خيرًا، وتتابعت الألسن بالخير، فقالوا: كان - ما علمنا - يحب الله ورسوله، فقال نبي الله - ﷺ -: وجبت وجبت وجبت، ومُرَّ بجنازة فأُثني عليها شرًّا، وتتابعت الألسن لها بالشر، فقالوا: بئس المرء كان في دين الله، فقال نبي الله - ﷺ -: وجبت وجبت وجبت، فقال عمر: فدىً لك أبي وأمي، مُرَّ