التي تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب، فتمنعوها إيّاها، كالذي فعله القسِّيسون والرُّهبان، فحرّموا على أنفسهم النساء والمطاعِمَ الطيِّبة، والمشارِبَ اللذيذة، وحَبَس في الصَّوامِع بعضُهم أنفسَهم، وساحَ في الأرض بعضهم).
وقد دلت السنة الصحيحة على آفاق هذا المعنى في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أنس قال: [جاء ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبي - ﷺ - يسألون عن عبادة النبي - ﷺ -، فلما أُخْبروا كأنهم تقالّوها فقالوا: وأين نحن من النبي - ﷺ -؟ قد غَفَرَ الله له ما تقدَّمَ من ذنبهِ وما تأخَّرَ، فقال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدَّهْرَ ولا أُفْطِر، وقال آخَرُ: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء إليهم رسول الله - ﷺ - فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما واللهِ إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصومُ وأُفْطِر، وأصلِّي وأَرْقُدُ، وأتزوج النساء، فمن رَغِبَ عن سنتي فليس مني] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: [كنا نَغْزو مع النبي - ﷺ - وليْسَ معنا نِساءٌ فقلنا: ألا نَخْتصي؟ فنهانا عن ذلك، فرَخَّصَ لنا بعد ذلك أن نتزَوَّجَ المرأة بالثوب، ثم قرأ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾] (٢).
الحديث الثالث: أخرج ابن ماجة بسند حسن لغيره، عن عائشة قالت: قال رسول الله - ﷺ -: [النِّكاح من سُنَّتِي، فمنْ لم يَعْمَلْ بسنتي فليس مني، وتزوّجوا، فإني مكاثرٌ بكم الأمم، ومن كان ذا طَوْلٍ فَلْيَنْكِح، ومنْ لمْ يَجِدْ فعليه بالصيام، فإن الصومَ له وِجاءٌ] (٣).
وقوله: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ - فيه أقوال متقاربة:
١ - أي لا تحرموا ما أحلّ الله وشرع - فالمراد التأكيد. ذكره السدي وعكرمة.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٥٠٦٣)، كتاب النكاح، ورواه مسلم برقم (١٤٠١)، ورواه أحمد في المسند (٣/ ٢٤١)، وغيرهم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٤٦١٥)، كتاب التفسير، وأخرجه مسلم برقم (١٤٠٤)، ورواه البيهقي (٧/ ٧٩).
(٣) صحيح في الشواهد. أخرجه ابن ماجة (١٨٤٦)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٣٨٣)، وصحيح الجامع الصغير -حديث رقم- (٦٦٨٣)، وكذلك أخرج نحوه البزار (ص ١٤٦ - زوائده).


الصفحة التالية
Icon