المنسوبة إليه، واتبعه طائفة المَلكيّة منهم. وهم في هذا كله قاهرون لليهود، أيّدهم الله عليهم لأنهم أقرب إلى الحق منهم، وإن كان الجميع كفارًا، عليهم لعائن الله. فلما بعث الله محمدًا - ﷺ -، فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق، كانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض، إذ قد صَدّقوا الرسول النبي الأمي العربي، خاتم الرسل، وسيد ولد آدم على الإطلاق، الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق، فكانوا أولى بكل نبي من أمته الذين يزعمون أنهم على مِلّته وطريقته، مع ما قد حَرَّفوا وبدَّلوا، ثم لو لم يكن شيء من ذلك، لكان قد نسخَ الله شريعة جميع الرسل بما بعث الله به محمدًا - ﷺ - من الدين الحق، الذي لا يُغيّر ولا يُبدَّل إلى قيام الساعة، ولا يزال قائمًا منصورًا ظاهرًا على كل دين. فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واحتازوا جميع الممالك، ودانت لهم جميع الدول، وكسروا كسرى، وقَصَروا قيصر، وسلبوهما كُنوزَهما، وأنفقت في سبيل الله، كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم عزَّ وجلَّ في قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: ٥٥].. الآية، فلهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقًّا، سَلبوا النصارى بلاد الشام وأجلوهم إلى الروم فلجؤوا إلى مدينتهم القُسطَنْطينيَّة، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة. وقد أخبر الصادق المصدوق - ﷺ - أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية، ويستفِيئُون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جدًّا، لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها.... ، ولهذا قال تعالى: ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ أى: يوم القيامة ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾. وكذلك فعل تعالى بمن كفر بالمسيح من اليهود، أو غلا فيه وأطراه من النصاري، عذبهم في الدنيا بالقتل والسَّبي، وأخذ الأموال، وإزالة الأيدي عن الممالك، وفي الدار الآخرة عذابهم أشد وأشق) انتهى.
وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾. أي: وما لهم من عذاب الله من مانع ولا دافع.
وقوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾. أي: في الدنيا: بالنصر والظفر والتمكين والتأييد، وفي الآخرة: بجنات الخلود والنعيم.
وقوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾. يعنى: الذين يبغون في الأرض بغير الحق، ولا يقيمون العدل ويأكلون حقوق الناس بالباطل.