وقوله: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾.
أي: هذا الذي قصصناه عليك يا محمد من أمر عيسى وميلاده وكيف أوحينا إليه، ونبوته ورفعه، من الآيات التي هي حجج بالغة على من حاجك من نصارى نجران وغيرهم من أهل الكتاب.
قال ابن عباس: ﴿وَالذِّكْرِ﴾، يقول: القرآن، ﴿الْحَكِيمِ﴾، الذي قد كمل في حكمته). فهو الكتاب ذو الحكمة الفاصلة بين الحق والباطل، وبينك - يا محمد - وبين من ينسب الكذب في قصة عيسى وأمه والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
٥٩ - ٦٣. قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)﴾.
في هذه الآيات: يقرن سبحانه وتعالى بين خلق عيسى وخلق آدم عليهما السلام، فالله خلق آدم من غير أب ولا أم، فلا عجب في قدرة الله أن يخلق عيسى من غير أب، ومن ثمَّ فجواز ادعاء البنوة في آدم هو أولى منه في عيسى، وهذا باطل باتفاق أهل الأديان، الأمر الذي يقتضي فساد هذا الادعاء في عيسى عليه السلام.
وإنما الأمر حقيقته إظهار قدرة الله في الخلق، فإذا أراد شيئًا قال له كن فيكون. فمن حاجك فيه بعد ذلك يا محمد فادعهم إلى المباهلة.
قال الربيع: (﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾: فلا تكن في شك مما قصصنا عليك أن عيسى عبدُ الله ورسوله، وكلمةٌ منه وروح، وأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون).
وقوله: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾. أي: جادلك في شأن المسيح عيسى بن مريم، يا محمد. ﴿فَقُلْ تَعَالوْا﴾ هلموا فلندع: ﴿أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ يقول: ثم نلتعن.


الصفحة التالية
Icon