وقوله: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾.
قال السدي: (الظلمات ظلمة الليل، والنور نورُ النهار). وقال الحسن: (الكفر والإيمان).
قال ابن كثير: (فجمع لفظ الظلمات ووحَّدَ لفظ النور، لكونه أشرف، كما قال تعالى: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ... ﴾ [النحل: ٤٨]، وكما قال في آخر هذه السورة: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ... ﴾ [الأنعام: ١٥٣]).
قلت: ولا شك أن الآية تعم إضافة لظلام الليل ونور النهار، ظلمات الباطل وسواد سبله، ونور الحق وسبيل أهل الإيمان. كما قال تعالى في هذه السورة: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٢].
والنور: هو نور الوحي ونور السنة، نور النبوة والرسالات. نور الفطرة والميثاق مع الله، الذي أخذه سبحانه على عباده -بِنَعْمانَ- وهو: واد إلى جنب عرفات.
وأما الظلمة: فهي ظلمة الطباع والجهل والأهواء، ظلمة الخضوع للغرائز والشهوات.
أخرج الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: [إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضلَّ] (١).
وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار مرفوعًا: [قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء كُلَّهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمت عليهم ما أحْلَلْتُ لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا] (٢).
وقوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾.
قال ابن عطية: (فـ ﴿ثُمَّ﴾ دالة على قبح فعل الكافرين).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢٨٦٥)، وأخرجه أحمد في المسند (٤/ ٢٦٦).