قال قتادة: (يقول: ما كان ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، يأمر عباده أن يتخذوه ربًّا من دون الله).
وقال ابن جريج: (كان ناس من يهود يتعبّدون الناس من دون ربهم، بتحريفهم كتابَ الله عن موضعه، فقال الله عزَّ وجلَّ ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، ثم يأمر الناس بغير ما أنزل الله في كتابه).
وفي جامع الترمذي بسند حسن: [أن النبي - ﷺ - تلا هذه الآية -اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله- على عدي بن حاتم الطائي، فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم. قال: أليس يحلّون لكم ما حرّم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال النبي - ﷺ -: فتلك عبادتهم] (١).
وقوله: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾.
قال البخاري في كتاب العلم، باب: العلم قبل القول والعمل. وقال ابن عباس: (﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾: حُلماء، فُقهاء، عُلماء، ويقال: الرَّبَّانِيُّ الذي يُرَبِّي الناس بصغار العلم قبل كباره). وقال مجاهد: (وهم فوق الأحبار) - أي العلماء. وعليه: فالربانيون هم عمادُ الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا، فالرباني الجامعُ إلى العلم والفقه، البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دُنياهم ودينهم.
وقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾.
قال الضحاك: (حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيهًا). وقوله: ﴿تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ أي: من التعليم. وقرأها عاصم: ﴿بما كنتم تَعْلَمونَ الكتاب﴾ قال: القرآن، ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾، قال: الفقه).
والقراءة الأولى أشهر ﴿تُعَلِّمون﴾ وهي قراءة عامة قرّاء الكوفة،
فالمعنى: بل كونوا سادة الناس وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم، ربّانيين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام، وفرض وندب، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم، وبتلاوتكم إياه ودراسَتِكموه. ذكره ابن جرير.