وقوله: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾. يعني: ولا كان لبشر أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، أي: لا يأمركم بعبادة أحد غير الله، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب.
وقد قرأها قراء الحجاز والمدينة على وجه الابتداء: ﴿ولا يأمُرُكم﴾ بالخبر عن النبي - ﷺ - أنه لا يأمركم. في حين قرأها قرّاء الكوفة والبصرة، بنصب الراء: ﴿ولا يأمرَكم﴾، عطفًا على قوله: ﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ﴾، وهي القراءة الأشهر في الأمة.
وقوله: ﴿أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. يعني إن ذلك غير كائن من النبي - ﷺ - أبدًا. إذ كيف يأمركم بعبادة آلهة غير الله بعد انقيادكم لله بالطاعة وتذللكم له بالعبادة.
٨١ - ٨٢. قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَال أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالوا أَقْرَرْنَا قَال فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢)﴾.
في هذه الآيات: إخبار من الله تعالى عن أخذه ميثاق الأنبياء أَنْ يُصَدِّق اللاحق السابق، وأن يمضي على منهاج النبوة في الإيمان وحراسة الدين، حتى يأتي خاتم الرسل والأنبياء محمد - ﷺ - فيصدقوه وينصروه إن أدركوه، وإلا أوصوا أقوامهم بذلك، فعاهدوا الله جميعهم على ذلك، وقد شهد عليهم بذلك جلّت عظمته. فمن نقض هذا العهد أو أعرض عنه بعد توثيقه فأولئك هم العاصون الآثمون.
فقوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾.
قال طاووس: (أخذ الله ميثاق الأُوَل من الأنبياء، ليصدقن وليؤمنن بما جاء به الآخِرُ منهم). وقال قتادة: (هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضُهم بعضًا، وأن يُبلِّغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم -فيما بلَّغتهم رُسلهم- أن يؤمنوا بمحمد - ﷺ - ويصدقوه وينصروه). وقال السدي: (لم يبعث الله عزَّ وجلَّ نبيًّا قط من لدُنْ نوح، إلا أخذ ميثاقه ليؤمننّ بمحمد