وقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول: إن الله لا يحب المتعدِّين حَدَّه في حلال أو حراء، الغالين فيما أحلَّ الله أو حرَّم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، ولكنه يحبّ أن يحلَّل ما أحل ويحرَّم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به).
وقوله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.
قال قتادة: (وهو ما حرّم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام).
وقال ابن زيد: (كانوا إذا حجُّوا أو اعتمروا، حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها).
وعن ابن عباس: (قوله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾، قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾، وهو هذا، فأنزل الله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾).
وقد أخرج أبو القاسم الطبراني بسنده، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: [كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراةٌ، يُصَفِّرون ويُصَفِّقُون، فأنزل الله: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾، فأمِرُوا بالثياب] (١).
وقوله: ﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.
أي: هذه الطيبات من الطعام والشراب واللباس ستخلص للمؤمنين يوم القيامة في أشهى وأجمل أحوالها، وإن شركهم بها الكفار في الدنيا مؤقتًا، ونبين هذه الحجج لقوم يفقهون.
قال ابن عباس: (يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خيار ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة). وقال مرة أخرى: (يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا، ثم يُخْلصُ الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيء).

(١) حسن لشواهده. انظر مستدرك الحاكم من طريق شعبة به (ج ٢) (ص ٣١٩ - ٣٢٠)، والصحيح المسند من أسباب النزول - الوادعي - الأعراف (٢٦). وتفسير ابن كثير (٣/ ١٥١).


الصفحة التالية
Icon