مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ من الشقاوة والعذاب والوعيد، حتى إذا جاءتهم رسلنا لقبض أرواحهم - ملك الموت وملائكة العذاب - قالت لهم الرسل: أين الذين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله وتعبدونهم، ليدفعوا عنكم آلام النزع وما أنتم فيه من الكرب العظيم فينقذونكم؟ قالوا: تخلوا عنا وتركونا أحوج ما كنا إليهم، وشهد القوم على أنفسهم حينئذ أنهم كانوا بالله كافرين. وقال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة: ادخلوا - أيها المفترون على ربكم والمكذبون رسله - في جموع أمم سلفت قبلكم استحقت النار - من الجن والإنس - كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها، حتى إذا تداركت الأمم في النار - أي: اجتمعت - قالت الأخرى من كل ملة لمن كانت سلفت قبلها في قيادة الضلال والكفر: ربنا هؤلاء أضلونا عن هديك وسبيلك فأوردهم اليوم عذاب الضعف بما شرعوا وسنوا لنا، فقال الله مجيبهم: لكلكم ضعف ومكرّر من العذاب ولكنكم لا تعلمون حقيقة ما أعدّ الله لكم من الهوان والعذاب. وقالت أولاهم التي سنت الكفر ومنهاج الضلالة لأخراهم التي مضت على ذلك السبيل: فما كان لكم علينا من فضل، فقد ضللتم كما ضللنا، ومن ثم فقد نالكم ما نالنا من النكال والهوان، وقال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم أيها الكفرة عذاب جهنم بما كنتم تكسبون من الذنوب والمعاصي والآثام. إن الذين كذبوا بآياتنا وحججنا واستكبروا عن عبادتنا لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء إذا خرجت من أجسادهم - كما هو شأن المؤمنين تفتح لهم أبواب السماء حتى يستقبلهم ربهم - ثم لا يدخل هؤلاء - أهل التكذيب - الجنة أبدًا، كما لا يلج الجمل في ثقب الإبرة أبدًا - وهذا جزاء المجرمين المشركين. يمهد لكم من فرش النار مضاجع وبسطًا ومقاعد، ويظلهم لهب الجحيم من فوقهم، وهذه هي منازل الظالمين في الآخرة.
فقوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلًا، وأجهلُ قولًا، وأبعد ذهابًا عن الحق والصواب، ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾، يقول: ممن اختلق على الله زُورًا من القول، فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرنا بها، ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾، يقول: أو كذب بأدلته وأعلامه الدالة على وحدانيته ونبوة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحتها).
وقوله: ﴿أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾ - فيه أقوال متكاملة:
١ - قال السدي: (ما كتب لهم من العذاب). وقال الحسن: (﴿أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾، قال: من العذاب).


الصفحة التالية
Icon