وقوله: ﴿وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾.
قال السدي: (فقد ضللتم كما ضللنا).
وقال أبو مجلز: (يقول: فما فضْلكم علينا، وقد بين لكم ما صنع بنا، وحُذِّرتم).
وقال مجاهد: ﴿فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾، قال: من التخفيف من العذاب).
قلت: فيُحمل قول مجاهد على قول السدي وأبي مجلز ويُجْمَعُ بين القولين: بأن أولاهم قد صرحت لأخراهم - أثناء المحاورة بين أهل الأحزاب والملل الكافرة في النار - بأنه لم يكن لكم أي سبق أو فضل علينا وقد أشركتمونا في سبيل الضلال، ومضيتم عليه كما مضينا، وقد كان يسعكم أن تعتبروا بما نالنا وتستأنفوا حياة جديدة في طاعة الله وحده لا شريك له، وفي ركل منهاج الآباء في الشرك والضلال، أمَا ولم تفعلوا، فأنتم ونحن في مصير واحد، ولِمَ يُخفَّفُ عنكم من العذاب!. ولذلك أجاب الله الفريقين بقوله: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾.
في مفهوم الآية أقوال:
١ - قال ابن عباس: (عُني بها الكفار، أنّ السماء لا تفتح لأرواحهم، وتفتح لأرواح المؤمنين).
٢ - وقال ابن جريج: (لا تفتح لأعمالهم، ولا لأرواحهم).
٣ - وقال مجاهد: (لا يصعد لهم كلام ولا عمل). والأول أرجح.
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: [خرجنا مع رسول الله - ﷺ - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولَمَّا يُلْحَد. فجلس رسول الله - ﷺ - وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر - مرتين أو ثلاثًا - ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال إلى الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حَنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدّ البصر. ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.