منها، حتى لا يكون بينهم إلا التوادّ والتعاطف. وصيغة الماضي للإيذان بتحققه وتقرّره).
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله - ﷺ - قال: [إذا خَلَصَ المؤمنون من النار حُبِسوا بِقَنْطَرَةٍ بين الجنة والنار، فيتقاصُّون مظالمَ كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نُقُّوا وَهُذِّبوا أُذِنَ لهم بدخول الجنة، فوالذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيده، لأَحَدَهُمْ بِمَسْكَنِهِ في الجنة أدَلُّ بمنزله كان في الدنيا] (١).
وقوله: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾.
أخرج الإمام أحمد والنسائي والحاكم - بسند حسن - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [كلُّ أهل الجنة يرى مَقْعَدَه من النار، فيقول: لولا أنّ الله هداني، فيكون له شُكرٌ، وكُلُّ أهل النار يرى مقعَدَه من الجنةِ، فيقول: لو أنَّ الله هداني، فيكونُ عليه حسرة] (٢).
وقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾.
قال النسفي: (﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ فكان لطفًا لنا وتنبيهًا على الاهتداء فأهدينا، يقولون ذلك سرورًا بما نالوا وإظهارًا لما اعتقدوا).
وقوله: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
قال القرطبي: (أي: قيل لهم: ﴿تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾ لأنهم وعدوا بها في الدنيا، أي: قيل لهم: هذه تلكم الجنة التي وعدتم بها، أو يقال لهم ذلك قبل الدخول حين عاينوها من بعد. قال: ومعنى ﴿أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي: ورثتم منازلها بعملكم، ودخولكم إياها برحمة الله وفضله. كما قال: ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٠]. وقال: ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ﴾ [النساء: ١٧٥]).
قال ابن كثير: (أي: بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة، وتبوأتم منزلكم بحسب أعمالكم).
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد (٢/ ٥١٢)، والحاكم (٢/ ٤٣٥)، والنسائي في "الكبرى" (١١٤٥٤).