وقوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾.
قال ابن عباس: (السر).
قال ابن جرير: (﴿تَضَرُّعًا﴾، يقول: تذلُلًا واستكانة لطاعته. ﴿وَخُفْيَةً﴾، يقول: بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين منكم بوحدانيته فيما بينكم وبينه، لا جهارًا ومراءاةً، وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته وربوبيته، فعل أهل النفاق والخداع لله ولرسوله).
وفي التنزيل: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠٥].
قال عبد الله بن المبارك: عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: (إن كان الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعر جارُه. وإن كان الرجل لقد فَقه الفقه الكثير، وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزَّورُ، وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبدًا! ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾، وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا فرضي فعله فقال: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ [مريم: ٣]).
وقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.
قال ابن عباس: (في الدعاء ولا في غيره).
وقال ابن جريج: (إن من الدعاء اعتداء، يكره رفع الصوتِ والنداءُ والصياحُ بالدعاء، ويؤمر بالتضرع والاستكانة).
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى - في أحاديث، منها:
الحديث الأول: أخرج أبو داود في السنن - بسند صحيح - عن أبي سعيد، قال: [اعتكف رسول الله - ﷺ -، في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف السِّتْرَ