لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤)}.
في هذه الآيات: شرع الله تعالى - بعد ذكر قصة آدم عليه السلام أول السورة - في ذكر قصص الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الأول فالأول. فلقد أرسل نوحًا إلى قومه، منذرهم بأسه ومخوِّفهم سخطه، على عبادتهم غيره: يا قوم، أفردوا الله تعالى بالعبادة والتعظيم، فإنه لا إله لكم غيره يستوجب عليكم عبادته، إني أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك عذاب يوم عظيم الأهوال والشدائد والعقاب. فأجابه الملأ المستكبرون من قومه: إنا نراك يا نوح في ضلال مبين. قال نوح: يا قوم ليس بي ضلالة أو جهالة عن الحق وإنما أنا رسول رب العالمين. أبلغكم ما أرسلني به ربي إليكم وأنصح لكم بتحذيري إياكم مغبة الاستهزاء في الدين الحق ما لا يحمد عقباه لديكم، وأعلم من الله ما لا تعلمون عن بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين. هل تعجبون أن يأتيكم إنذار ربكم على لسان رجل منكم لينذركم بأسه تعالى ولتتقوا سخطه وعقابه بإفراده بالتعظيم ولتنالوا رحمته بذلك. ولكن ما كان من الملأ الكافر إلا أن أظهر التكذيب والعناد، فأنجى الله تعالى نوحًا والمؤمنين معه في الفلك وأغرق الباقين الذين كانوا قومًا عمين عن الحق بالطوفان الهائل فكانوا كأمس الذاهب.
قال محمد بن إسحاق: (ولم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح إلا نبيٌّ قُتل).
وقال يزيد الرَّقاشي: (إنما سُمِّيَ نوحًا لكثرة ما ناح على نفسه). وقد كان بين آدم إلى زمان نوح عليهما السلام عشرة قرون، كلهم على الإسلام - ذكره ابن كثير.
يروي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣)﴾ [نوح]. قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح. فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم