بعد عاد، ومساكنهم مشهورة معلومة فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله. وقد مرَّ النبي - ﷺ - بديار ثمود مرجعه من تبوك، وهو قافل إلى المدينة، على القول الراجح - كما حققت في كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة.
فلما وصل جيش المسلمين القافل من تبوك ديار ثمود، تسارع بعض الأصحاب لدخول تلك المساكن الخاوية، فنهاهم النبي - ﷺ -.
أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي كبشة الأنماري قال: [لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله - ﷺ -: فنادى في الناس: الصلاة جامعة، قال: فأتيت رسول الله - ﷺ - وهو ممسك بعيره وهو يقول: ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم، فناداه رجل منهم: نعجب منهم يا رسول الله! قال: أفلا أنذركم بأعجب من ذلك؟ ! رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم، فاستقيموا وسددوا، فإن الله عز وجل لا يعبأ بعذابكم شيئًا وسيأتي قوم لا يَدْفعون عن أنفسهم بشيء] (١).
ثم أمرهم بعدم عبور تلك المساكن إلا باكين، مسرعين في السير غير مبطئين، فهي ديار قوم دمَّر الله عليهم بيوتهم بذنوبهم واستهتارهم.
ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - ﷺ - قال لأصحابه - يعني لما وصلوا الحِجْر: وهي ديار ثمود فيما بين المدينة والشام -: [لا تدخلوا على هؤلاء المعذَّبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يُصيبكم ما أصابهم]. وفي رواية لمسلم: (حَذَرًا أن يصيبكم مِثلُ ما أصابهم).
وفي رواية لهما بلفظ: [لما مرّ رسول الله - ﷺ - بالحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أَنْ يُصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين، ثم قَنَّعَ رسول الله - ﷺ -رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي].
وفي لفظ للبخاري مِنْ حديث سالم بن عبد الله عن أبيه: (ثم تَقَنَّعَ بردائه وهو على الرحل). وفي لفظ لمسلم: (ثم زَجَرَ فأسرع حتى خلّفها) (٢).
(٢) حديث صحيح. انظر الروايات السابقة في صحيح البخاري (٣٣٨١) - كتاب الأنبياء، وكذلك في صحيح مسلم (٢٩٨٠) - كتاب الزهد والرقائق، وكذلك في مسند الإمام أحمد (٢/ ٩)، (٢/ ٥٨).