فإن ذلك من أماكن العذاب التي تركها الله في الأرض ليعتبر البشر، فلا ينبغي المشي فيها والسياحة خلال آثارها، بل الأليق بها أن يمر المسلم فيها مسرعًا خائفًا من الله أن يُنْزِلَ بأمته ما أنزل بتلك الأمم، من المصائب والدمار والنقم.
وكان بعضهم قد تسارعوا إلى آبار ثمود ليشربوا منها أو ليتوضؤوا بمائها، فنهاهم رسول الله - ﷺ - عن ذلك أشد النهي، وأمرهم أن يهريقوا ما استقوا منها، وأن يعلفوا إبلهم العجين الذي عجنوه بمائها، وأن يستقوا بدلًا عن ذلك من البئر التي كانت تردها ناقة صالح عليه الصلاة والسلام.
أخرج ذلك الإمام مسلم في صحيحه، عن نافع أن عبدَ الله بن عمر أخبره: [أن الناس نزلوا مع رسول الله - ﷺ - على الحِجْر أرضِ ثمود فاستقوا من آبارها، وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله - ﷺ - أن يُهريقوا ما استقوا، وَيَعْلِفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة] (١).
ورواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر بلفظ: [أن رسول الله - ﷺ - لما نزل الحِجْرَ في غزوة تبوك، أمرهم أن لا يشربوا من بِئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عَجَنّا منها واستقينا، فأمرهم أن يطرَحوا ذلك العجين، ويُهريقوا ذلك الماء. قال: ويُروى عن سَبْرة بن مَعْبَدٍ وأبي الشّموس أن النبي - ﷺ - أمر بإلقاء الطعام] (٢).
وفي رواية ابن إسحاق: (أن النبي - ﷺ - قال لهم: لا تشربوا من مائها شيئًا، ولا تتوضؤوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه، فاعلِفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئًا) (٣).
وقوله: ﴿قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾.
هو قول الرسل جميعًا لأقوامهم، وهي رسالة التوحيد التي بعث بها جميعهم، وهي تتلخص بشهادة أنّ "لا إله إلا الله". كما قال تعالى في سورة الأنبياء: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾.
(٢) حديث صحيح. أخرجه الإمام البخاري (٣٣٨١) - كتاب الأنبياء. وانظر تفصيل هذا البحث في كتابي: السيرة النبوية - على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة - (٣/ ١٥٣٢ - ١٥٣٤).
(٣) رواه ابن إسحاق في السيرة. وانظر البداية والنهاية - لابن كثير - (٥/ ١١) بسند حسن مرسل.