وقوله: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣)﴾.
أي: قد جاءتكم آية وحجة من ربكم تثبت لكم صدق نبوتي لكم، وكانوا قد سألوه بينة من قبل. فقال لَهُم نَبيُّهم صالح عليه الصلاة والسلام: ﴿وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ [هود: ٦٤]. وكانت الناقة قد أقامت - وفصيلها بعدما وضعته - بين أظهرهم مدة، تشرب ماء بئرها يومًا، وتدعه لهم يومًا. وكانوا يشربون لبنها يوم شربها، يحتلبونها فيملؤون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم، كما قال تعالى: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ [القمر: ٢٨].
وكذلك قوله جل ثناؤه: ﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥].
قال الحافظ ابن كثير: (وكانت تسرَحُ في بعض تلك الأودية ترد من فَجّ وتصدرُ من غيره ليسعها، لأنها كانت تتضلَّع من الماء، وكانت - على ما ذكر - خَلْقًا هائلًا ومنظرًا رائعًا، إذا مَرَّت بأنعامهم نفرت منها. فلما طال عليهم ذلك واشتد تكذيبهم لصالح النبي - عليه السلام - عزموا على قتلها، ليستأثروا بالماء كل يوم، فيقال: إنهم اتفقوا كلّهم على قتلها. قال قتادة: بلغني أن الذي قتل الناقة طاف عليهم كُلُّهم، أنهم راضون بقتلها، حتى على النساء في خدورهن، وعلى الصبيان أيضًا. قلت: وهذا هو الظاهر لأن الله تعالى يقول: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ [الشمس: ١٤]، وقال: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا...﴾ [الإسراء: ٥٩]، وقال: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾. فأسند ذلك إلى مجموع القبيلة، فدَلَّ على رِضا جميعهم بذلك، والله أعلم).
وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
قال الشهاب: (﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ﴾ - لم يقل: خلفاء عاد، إشارة إلى أن بينهما زمانًا طويلًا. ﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: أنزلكم في أرض الحجر. والمباءة المنزل. ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا﴾ أي: تبنون في سهولها قصورًا