وقوله: ﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
قال مجاهد: (﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾، قال: أعمال رفيعة).
وعن قتادة: (﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾، قال: لذنوبهم، ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، قال: الجنة).
وعن الضحاك: (﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾، قال: أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه، ولا يرى الذي هو أسفلُ أنه فُضِّل عليه أحد).
قلت: ولا شك أن الدرجات هي منازل ومقامات ومراتب يتفاوت بها المؤمنون في الجنة، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ [طه: ٧٥].
وكقوله جل ذكره: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٣].
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق ذلك في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج ابن ماجه وأحمد بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعًا: [إن الرجل لتُرْفَعُ درجتُهُ في الجنة، فَيقول: أنّى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - ﷺ - قال: [إنّ أهل الجنة ليتراءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كما تتراءَوْنَ الكوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغابِرَ مِنَ الأُفُقِ مِنَ المَشْرِقِ أو المَغْرِبِ، لِتَفاضُل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله! تلك منازِلُ الأنبياء، لا يَبْلُغُها غيرُهم، قال: بلى، والذي نفسي بيده! رجالٌ آمنوا بالله وصدَّقوا المُرْسلين] (٢).
الحديث الثالث: أخرج أبو يعلى في "مسنده"، والحاكم في "مستدركه" بسند حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن الرجل ليكون له عند الله المنزلةُ،

(١) حديث حسن. أخرجه ابن ماجه (٣٦٦٠)، وأحمد (٢/ ٥٠٩)، والبغوي في "شرح السنة" (٢/ ٨٤/ ٢)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٢/ ٤٤/ ١)، وانظر السلسلة الصحيحة (١٥٩٨).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٢٥٦)، ومسلم (٢٨٣١) - واللفظ له - كتاب الجنة ونعيمها، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (٧٣٩٣) من حديث أبي سعيد الخدري.


الصفحة التالية
Icon