فما يَبْلُغُها بعملٍ، فما يزال اللهُ يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها] (١).
وفي قوله: ﴿وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، قال ابن جرير: (وقوله: ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾، يقول: وعفو عن ذنوبهم، وتغطية عليها، ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، قيل: الجنة. وهو عندي: ما أعدّ الله في الجنة لهم من مزيد المآكل والمشارب وهنيء العيش).
٥ - ٨. قوله تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)﴾.
في هذه الآيات: يقول تعالى ذكره لنبيّه - ﷺ -: كما أخرجك ربك من بيتك في المدينة ليوم عظيم من أيام الله ليفصل به سبحانه بين الحق والباطل، كذلك يجادلونك في الحق وهو القتال الذي أراده الله بين فئة الإيمان وفئة الشيطان، وبعض المؤمنين كارهون للقاء، وما زالت في قلوبهم بقية أثر بالاستيلاء على العير والغنائم. إنهم يجادلون في ذلك كراهة للقاء القوم وكأنما يساقون إلى الموت كراهية لا طواعية وهم ينظرون.
وإذ يعدكم - يا محمد - الله تعالى إحدى الطائفتين: العير أو ذات الشوكة والقتال، وتودون طائفة العير بأموالها ومتاعها دون تعب وعناء، والله تعالى يحب لكم أن تلقوا عدوكم وتكسروا شوكته بصدق جهادكم ومجالدتكم وصبركم عند الالتحام ليعلي كلمة الحق بصدق أهلها ويخزي فئة الكافرين. ليحق الحق والوحي ومنهاج النبوة ويبطل الباطل والكبر في الأرض والعلو بغير الحق ولو كره المجرمون.
فقوله: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾. قال مجاهد: (كذلك يجادلونك في الحق، القتال).
وقوله: ﴿مِنْ بَيْتِكَ﴾. يعني: من المدينة.
وقوله: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾. قال القرطبي: (أي لكارهون ترك مكة

(١) حديث حسن. أخرجه أبو يعلى (٤/ ١٤٤٧)، وابن حبان (٦٩٣)، والحاكم (١/ ٣٤٤).


الصفحة التالية
Icon