وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس: [أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت يقولون: لبيك لا شريك لك لبيك، فيقول النبي - ﷺ -: قد قد، فيقولون: لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، ويقولون: غفرانك، فأنزل الله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾] (١).
ويؤيد هذا ما أخرج الإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، عن أبي سعيد عن النبي - ﷺ - قال: [إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أُغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني] (٢).
وقوله: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ﴾.
قال ابن كثير: (يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذِّبهم، ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام رسول الله - ﷺ - بين أظهرهم، ولهذا لما خرج من بين أظهرهم، أوقع الله بهم بأسه يوم بدر، فَقُتل صناديدهم، وأُسرَت سَراتُهم. وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب، التي هم مُتلبسون بها من الشرك والفساد. قال قتادة والسُّدي وغيرهما: لم يكن القومُ يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون لما عذبوا. واختاره ابن جرير، فلولا ما كان بين أظهرهم من المستضعفين من المؤمنين المستغفرين لأوقع بهم البأس الذي لا يُرَدّ، ولكن دُفِعَ عنهم بسبب أولئك، كما قال الله تعالى في يوم الحديبية: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفتح: ٢٥]).
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبْزى قال: (كان النبي - ﷺ - بمكة فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ
(٢) صحيح لشواهده. أخرجه أحمد (٣/ ٢٩)، والحاكم (٤/ ٢٦١)، والبيهقي في "الأسماء" ص (١٣٤)، والبغوي في "شرح السنة" (١/ ١٤٦)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٠٤).