و ﴿بَرَاءَةٌ﴾ خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذه)، ومنهم من جعلها كالمعرفة بصلتها بما بعدها، والتقدير: (البراءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين)، والأول أشهر في كلام العرب.
وقوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ الآية.
أي: مَنْ كان من أصحاب العهود المطلقة غير المؤقتة أو كان له عهد دون أربعة أشهر فله أن يكمل أربعة أشهر، فأما مَنْ كان له عهد مؤقت فاجله إلى مدته، لقوله تعالى: ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾. وأما من لا عهد له من المشركين فأمهلهم إلى انسلاخ الأشهر الحرم، أي خمسين يومًا تنتهي بنهاية المحرّم.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: [بعثني أبو بكر في تلك الحِجّة في مؤذِّنين بعثهم يومَ النحر يؤذنون بمنى: ألَّا يَحُجَّ بعد هذا العام مُشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان، ثم أردف النبي - ﷺ - أبا بكر بعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، فأمره أن يُؤذن ببراءة، قال: فأذن معنا علي في أهل مِنى يومَ النحر ببراءة، وألَّا يحجَّ بعدَ العام مشرك، ولا يطوفَ بالبيت عريان] (١).
وله شاهد في مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي بسند قوي من حديث علي، وكذلك في مسند الحميدي عن زيد بن يُثَيْع، قال: سألنا عليًا، بأي شيء بعثتَ في الحجّة؟ قال: [بُعثت بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عُريان، ولا يجتمع مُسلم وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، ومَنْ كان بينَهُ وبين النبي - ﷺ - عهد، فعهده إلى مُدَّته، ومن لم يكن له عَهْدٌ، فأجله إلى أربعة أشهر] (٢).
وأما قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾، قال ابن جرير: (فإنه يعني: فسيروا فيها مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين من رسول الله - ﷺ - وأتباعه).
- وهو في لغة العرب من ساحَ يسيحُ سياحةً، وسُيوحًا وسَيَحانًا.
قال قتادة: (قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾، عشرون من ذي الحجة،
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (١/ ٧٩) من حديث علي رضي الله عنه، وأخرجه الحميدي (٤٨) في مسنده، وسنده صحيح.