كذلك. يقول الله لنبيه: وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم، فقاتلهم، أئمةُ الكفر لا أيمان لهم، ﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾).
وأصل الطعن في كلام العرب القدح. قال الرازي: (وطعنَ فيه أي قَدَحَ).
قال ابن كثير: ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ﴾، أي: عابوه وانتقصوه.
ومن ها هنا أُخِذَ قتلُ من سبّ الرسولَ - صلوات الله وسلامه عليه - أو مَنْ طعن في دين الإسلام أو ذكره بِتَنَقُّصٍ، ولهذا قال: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾، أي: يرجعون عما هم فيه من الكفر والعناد والضلال).
قلت: وأكثر أهل العلم أنّ من سبّ الله تعالى أو الدين أو الرسول - ﷺ - من أهل الذمة أو استخَفَّ بقدره أو وَصَفَهُ بغير الوجه الذي عُرِفَ به فإنه يقتل، فإنا لم نعطه الذمة أو العهد على هذا. واستدل بعضهم بأمره - ﷺ - بقتل كعب بن الأشرف وكان معاهدًا. فإن ظهر السبّ من مسلم فإنه يخرج من ملة الإسلام ولا يستتاب بل حكمه القتل مباشرة.
قال الإمام محمد بن سمنون: (أجمع العلماء أن شاتم النبي - ﷺ - المتنقص له كافر، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر) (١).
وفي سنن أبي داود والنسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس: [أن أعمى كانت له أم ولد، تشتم النبي - ﷺ -، وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر. قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي - ﷺ - وتشتمه، فأخذ المغول (٢) فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكِرَ ذلك لرسول الله - ﷺ -، فجمع الناس فقال: "أنشد الله رجلًا فعل ما فعل، لي عليه حق، إلا قام" فقام الأعمى يتخطى الناس، وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي - ﷺ - فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها
(٢) سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه، فهو سلاح خفي يُغتال به الناس.