الله، ورجل قلبه مُعَلَّقٌ في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ مَنْصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تَصَدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلمَ شِمالُهُ ما تُنْفِقُ يمينُه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه] (١).
والخلاصة: إن مَنْ يعمر مساجد الله ببنائها والقيام بعبادة الله فيها من آمن بالله تعالى وأسمائه وصفاته فأفرده بالعبادة والتعظيم، وآمن باليوم الآخر يوم يقوم الناس لرب العالمين، فاستعد لذلك بإقامة الصلوات وإعطاء الزكاة والصدقات وإفراد الله بالخشية والعبادة كما شرع، فهؤلاء لهم البشرى يوم الدين بالفلاح والفوز العظيم.
وقوله تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
قال ابن جرير: (وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت، فأعلمهم جل ثناؤه أن الفخر في الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله، لا في الذي افتخروا به من السِّدانة والسقاية).
قال: (﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾ هؤلاء، وأولئك، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما، لأن الله تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملًا، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾، يقول: والله لا يُوفّق لصالح الأعمال من كان به كافرًا، ولتوحيده جاحدًا).
قلت: وقد صحّ هذا المعنى في نزول هذه الآية كما ورد في السنة الصحيحة:
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، عن النعمان بن بشير قال: [كنت عند منبر رسول الله - ﷺ - فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل عملًا بعد الإِسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملًا بعد الإِسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - ﷺ - وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ الآية إلى آخرها] (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٨٧٩) ح (١١١)، وأحمد في المسند (٤/ ٢٦٩)، والطبري في "التفسير" (١٦٥٥٧)، وغيرهم.