ثم قال جل ثناؤه: ﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾.
وهي الملائكة حمت رسول الله - ﷺ - يومئذ حين حمي الوطيس وحين غشيه المشركون، كما شاركت المؤمنين الذين صمدوا قتالهم.
يروي ابن جرير بإسناده إلى عبد الرحمن مولى أم برثن قال: (حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين، قال: فلما التقينا نحن وأصحاب رسول الله - ﷺ - يوم حنين لم يقوموا لنا حَلْبَ شاة. قال: فلما كشفناهم جعلنا نسوقُهم في أدبارهم، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله - ﷺ -. قال: فتلقانا عنده رجال بيض حسانُ الوجوه فقالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا. قال: فانهزمنا، وركبوا أكتافنا، فكانت إياها) (١).
وروى أحمد من حديث أبي عبد الرحمن الفهري، قال يحيى بن عطاء: (فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابًا، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد) (٢).
ويروي ابن إسحاق عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: [إنا لمع رسول الله - ﷺ - يوم حنين والناس يقتتلون، إذ نظرت إلى مثل البجاد (٣) الأسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا وبين القوم، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي، فلم يكن إلا هزيمة القوم، فما كنا نشك أنها الملائكة] (٤).
ويروي البيهقي وكذلك ابن سعد - واللفظ له - عن شيبة بن عثمان الحَجَبي قال: [لما كان عام الفتح، دخل رسول الله - ﷺ - مكة عَنوة، قلت: أسير مع قريش إلى هوازن بحنين، فعسى إن اختلطوا أن أصيبَ من محمد غِرّة، فأثأر منه، فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كُلِّها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدًا، ما تبعته
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٢٨٦)، وهو جزء من حديث أطول.
(٣) البجاد: الكساء.
(٤) أخرجه البيهقي في "الدلائل" (٥/ ١٤٦) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، ورواه ابن إسحاق وفيه ضعف، لكن له شواهد. انظر تفسير ابن كثير - سورة التوبة، آية (٢٦).