أبدًا، وكنتُ مُرْصدًا لما خرجت له لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة، فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله - ﷺ - عن بغلته، فأصلت السيف، فدنوت أريد ما أريد منه، ورفعت سيفي حتى كِدت أشعره إياه، فرُفع لي شُواظ من نار كالبرق كاد يمحُشُني، فوضعت يدي على بصري خوفًا عليه، فالتفتَ إليّ رسول الله - ﷺ - فناداني: يا شَيْبُ ادْنُ مني فدنوت منه، فمسح صدري، ثم قال: اللهم أعذه من الشيطان، قال: فوالله لهو كان ساعتئذ أحبَّ إليَّ من سمعي وبصري ونفسي، وأذهب الله ما كان في نفسي، ثم قال: ادْنُ فقاتل، فتقدمت أمامه أضربُ بسيفي، الله يعلم أني أحب أن أقِيَه بنفسي كُلَّ شيء..] الحديث (١).
ثم قال جل ذكره: ﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أي: بالرعب والقتل والهزيمة.
قال الحافظ ابن كثير في التفسير: (وقال سعيد بن السائب بن يسار عن أبيه قال: سمعت يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حُنَينًا مع المشركين ثم أسلم بعد فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين! قال: فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن فيقول: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا) (٢).
وقوله: ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾، فقد سلط الله عليهم القتل والسبي والتشريد، حتى رُوي أن قتلى هوازن قد بلغ خلال المعركة اثنين وسبعين قتيلًا من بني مالك من ثقيف وحدهم وقتيلين من الأحلاف.
قال ابن إسحاق: (فلما انهزمت هوازن استحرَّ (٣) القتل من ثقيف في بني مالك، فقتل منهم سبعون رجلًا تحت رايتهم، فيهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب، وكانت رايتهم مع ذي الخِمار - وهو عوف بن الربيع -، فلما قُتِلَ أخذها عثمان بن عبد الله، فقاتل بها حتى قتل. قال ابن إسحاق، وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود، قال: لما بلغ رسول الله - ﷺ -، قتلُه، قال: أبعده الله! فإنه كان يُبْغِضُ قريشًا).
كما رُوي أنه خلال الهزيمة قتل ثلاث مئة رجل من بني مالك قتلهم المسلمون في
(٢) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٢٢/ ٢٣٧ - ٢٣٨) رقم (٦٢٣)، وقال الهيثمي في "المجمع" (٦/ ١٨٣): رجاله ثقات. وانظر المرجع السابق (٣/ ١٣٦٩).
(٣) استحرَّ: أي اشتد.