وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
قال ابن كثير: (قد تاب الله على بقية هوازن، وأسلموا وقدموا عليه مسلمين، ولحقوه وقد قارب مكة عند الجِعرانة، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يومًا، فعند ذلك خيّرهم بين سبيهم وبين أموالهم، فاختاروا سبيهم، وكانوا ستة آلاف أسير ما بين صبي وامرأة، فرده عليهم، وقسم أموالهم بين الغانمين، ونفل أناسًا من الطلقاء ليتألف قلوبهم على الإسلام، فأعطاهم مئةً مئةً من الإبل، وكان من جملة من أعطى مئةً مالك بن عوف النَّصْري، واستعمله على قومه كما كان، فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها:

ما إن رَأيتُ ولا سمعت بمثله في الناس كلّهم بمثل محمد
أوفى وأعْطى للجزيل إذا اجتُدِي ومتى تَشَأ يُخْبركَ عمّا في غَدِ (١)
وإذا الكتيبة عَرّدت أنيابُها بالسُّمْهَرِيّ وضَرْب كُلّ مُهَنّد
فكأنه ليثٌ على أشباله وَسْطَ الهَبَاءة خادِرٌ في مَرْصد).
٢٨ - ٢٩. قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)﴾.
في هذه الآيات: تقريرٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين أَنَّ المشركين نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بطواف أو حج أو غير ذلك، فإن خفتم - معشر المؤمنين - فاقة أو فقرًا بمنعهم الاقتراب فاعلموا أن فضل الله يَغْمركم، وهو سبحانه من نعمه ورزقه يزدكم، والله هو العليم بمصالحكم، الحكيم بما يشرعه لكم.
قاتلوا القوم المكذبين بالله واليوم الآخر المستهزئين بشرع الله وحلاله وحرامه، المستكبرين عن طاعته، من أهل الكتاب حتى يبذلوا الجزية للمسلمين صاغرين.
(١) هذا لا يصح شرعًا، فلا يعلم ما في الغد إلا الله، وإنما كان مالك بن عوف حديث عهد بجاهلية.


الصفحة التالية
Icon