فقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾، هي نجاسة معنوية، نجاسة الشرك والكفر. وليس المقصود نجاسة البدن، فقد يكون بدنه طاهرًا نظيفًا، ولذلك جاء في الحديث: [المؤمن لا يَنْجُس]، حتى ولو كان جُنبًا.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة: [أن النبي - ﷺ - لقِيَهُ في بعض طريق المدينة وهو جُنُبٌ، فانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: أينَ كنتَ يا أبا هريرة؟ قال: كنتُ جُنُبًا فكَرِهْتُ أن أُجالِسَكَ وأنا على غير طهارة، فقال: سُبْحانَ الله! إنّ المؤمنَ لا يَنْجُسُ] (١).
وقوله: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: [بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذّنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: ألا يَحُجَّ بعدَ هذا العام مُشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان، ثم أردف النبي - ﷺ - أبا بكر بعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، فأمره أن يؤذِّن ببراءة، قال: فأذن معنا علي في أهل منى يومَ النحر ببراءة، وألا يحجَّ بعد العام مشرك، ولا يطوفَ بالبيت عريان] (٢).
فأمر الله تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينًا وذاتًا بنفي المشركين، الذين هم نجس دينًا، أن يقربوا بيته الحرام بعد نزول هذه الآية في السنة التاسعة للهجرة أثناء حج أبي بكر بالناس.
يروي ابن جرير بسنده عن الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو عمرو: (أن عمر بن عبد العزيز كتب: أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين، وأتبع في نهيه قول الله: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾).
قال عطاء: (الحرمُ كله قبلة ومسجد. قال: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾، لم يعن المسجدَ وحده، إنما عنى مكة والحرم).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٨٣) - كتاب الغسل - بابُ عَرَقِ الجُنُبِ وأن المسلم لا يَنْجُسُ. وأخرجه مسلم (٣٧١)، وأحمد (٢/ ٢٣٥)، (٢/ ٣٨٢)، وأبو داود (٢٣١)، والترمذي (١٢١)، والنسائي (١/ ١٤٥)، وابن حبان (١٢٥٩)، وابن أبي شيبة (١/ ١٧٣) عن أبي هريرة مرفوعًا.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٦٩) - كتاب الصلاة - و (٣١٧٧) - كتاب الحج، وأخرجه مسلم في الصحيح (١٣٤٧) - كتاب الحج -. وقد مضى تفصيل حج أبي بكر بالناس سنة ٩ هـ.


الصفحة التالية
Icon