وقوله: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ﴾.
قال قتادة: (أغناهم الله بالجزية الجارية، شهرًا فشهرًا، وعامًا فعامًا).
وقال ابن إسحاق: (وذلك أن الناس قالوا: لتقطعنَّ عنا الأسواق، ولتهلكن التجارة، وليذهبنَّ ما كنا نصيب فيها من المرافق! فقال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، من وجه غير ذلك ﴿إِنْ شَاءَ﴾ إلى قوله: ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾، ففي هذا عِوَض مما تخوَّفتم من قطع تلك الأسواق، فعَوَّضهم الله بما قطع عنهم من أمر الشرك، ما أعطاهم من أعْناق أهل الكتاب من الجزية).
وخلاصة المعنى: إن خفتم - معشر المؤمنين - فاقة وفقرًا بمنع المشركين اقتراب المسجد الحرام فسيغنيكم ربكم عز وجل من فضله إن شاء والله ذو الفضل العظيم.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. أي: عليم بما فيه مصلحتكم وسداد أمركم، حكيم في أقواله وأفعاله وتشريعه لكم.
وقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾.
يأمر تعالى المؤمنين به من أصحاب نبيه - ﷺ - بقتال القوم المكذبين بالله واليوم الآخر المستهزئين بتشريعه سبحانه وحلاله وحرامه، المتنكرين لطاعته طاعة الحق، من أهل الكتاب حتى يعطوا الخراجَ عن رقابهم، الذي يبذلونه للمسلمين دَفْعًا عنها. فإنهم بكفرهم بمحمد - ﷺ - الذي يجدون صفاته مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل - تنكر لبقية الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، إذ أمروا جميعًا باتباع النبي أحمد صلوات الله وسلامه عليه، ومن ثم أصبحوا بذلك لا يدينون الدين الحق، فوجب عليهم دفع الجزية مقابل حمايتهم وجلوسهم آمنين.
قال ابن كثير: (وهذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب، بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فلما استقامت جزيرة العرب، أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع، ولذا تجهز رسول الله - ﷺ - لقتال الروم) انتهى.
وبعض الفقهاء على جواز أخذ الجزية من المجوس، وهو مذهب الشافعي وأحمد - في المشهور عنه -.