وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
أصل الكنز لغة: الجمع والضم. قال الرازي: (اكتنَزَ الشيءُ: اجتمع وامتَلأَ).
والكنزْ أيضًا المال المدفون. والآية تحذير للمؤمنين من سلوك طريقة أهل الكتاب في الأموال، والاستهتار بحق الفقراء والمساكين فيها.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن وَهْب قال: [مَرَرْتُ بالرَّبَذَةِ فإذا أنا بأبي ذَرٍّ رضي الله عنه، فقلت له: ما أنزلَكَ مَنْزِلَكَ هذا؟ قال: كنتُ بالشام فاخْتَلَفْتُ أنا ومعاويةُ في ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، قال معاوية: نَزَلَتْ في أهل الكتاب. فقلت: نزلَتْ فينا وفيهم، فكان بَيْني وبَيْنَه في ذلك، وكَتَبَ إلى عُثمانَ رضي الله عنه يَشْكوني، فكتَبَ إليَّ عثمانُ: أنِ اقْدم المدينة، فقَدِمْتها، فَكَثُرَ على الناسُ حتى كأنَّهم لم يَرَوْني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان فقال لي: إن شئت تَنَحَّيْتَ فكنت قريبًا. فذاك الذي أنْزَلني هذا المنزل، ولو أمَّروا عليَّ حَبَشِيًّا لسَمِعْتُ وأطَعْتُ] (١).
فإنه بعد ذكر العلماء والعباد، أتبع الله في الآية ذكر الأغنياء، فإن الناس عالة على العلماء، وعلى العبّاد، وعلى أرباب الأموال، فإن صلح أمر هؤلاء صلح أمر الناس وإن فسد فسدوا، كما قال عبد الله بن المبارك:
وهل أفسَدَ الدين إلا الملوك | وأحبارُ سوء ورهبانها |
كما قال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال: (هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة).
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن شهاب، عن خالدِ بنِ أسْلَمَ قال: [خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾؟ ! قال ابن عمر: مَنْ كَنَزَها فلم يُؤَدِّ