قال ابن جرير: (يقول جل ثناؤه: وقاتلوا المشركين بالله، أيها المؤمنون، جميعًا غير مختلفين، مؤتلفين غير متفرقين، كما يقاتلكم المشركون جميعًا، مجتمعين غير متفرقين).
قلت: والراجح أنه يجوز قتال المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البراءة منهم، كما يجوز قتل القاتل في الحرم، فإن كان القاتل في الحل ثم التجأ إلى الحرم يُخرج إلى الحل ليقتل فيه.
ففي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ١٩١].
٢ - وقال تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٩٤].
٣ - وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ٢١٧].
قال ابن القيم: (والمقصود: أن الله سبحانه قد حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يُبَرِّئْ أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشهر الحرام، بل أخبر أنه كبير، وأن ما عليه أعداؤه المشركون أكبرُ وأعظمُ من مجرد القتال في الشهر الحرام، فهم أحقُ بالدم والعيب والعقوبة، لا سيما وأولياؤه كانوا متأولين في قتالهم ذلك، أو مقصِّرين نوعَ تقصير يغفره الله لهم في جنب ما فعلوه من التوحيد والطاعات، والهجرة مع رسوله، وإيثار ما عند الله، فهم كما قيل:

وإذا الحبيبُ أتى بذنْبٍ واحدٍ جاءت محاسِنُهُ بألف شفيع
فكيف يُقاس ببغيض عدوٍّ جاء بكل قبيح، ولم يأت بشفيع واحد من المحاسن) (١).
ومن السنة الصحيحة ما يدل على جواز قتال المشركين في الأشهر الحرم، إن كانت المصلحة تقتضي ذلك:
١ - حاصر رسول الله - ﷺ - أهل الطائف شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم.
(١) انظر زاد المعاد (٣/ ١٧٠ - ١٧١)، وكتابي: السيرة النبوية (١/ ٥٢٥ - ٥٢٧) لتفصيل البحث.


الصفحة التالية
Icon