٤٨ - ٥١. قوله تعالى: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١)﴾.
في هذه الآيات: يخاطب الله سبحانه نبيّه - ﷺ - محذّرًا سلوك هؤلاء المنافقين: إنهم منذ مقدمك المدينة لم يُفَوِّتوا فرصة لِلنَّيل منك ومن دينك ومن أصحابك، حتى أظهر الله الدين الحق وَقَوَّى شوكة المؤمنين.
ومنهم من يعتذر عن الخروج بادِّعَاءِ ساقط: وهو خشيته الوقوع بفتنة النساء، فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله - ﷺ - والرغبة عن نفسه أعظم، ونار جهنم تحرق المكذبين المنافقين.
إنك إن تسعد - يا محمد - بنصر أو غنيمة تسؤهم، وإن تنزل بك نازلة يفرح هؤلاء بحذرهم.
فقل لهم - يا محمد -: إنه لن يصيبنا إلا ما قدّره الله لنا وهو سبحانه سيدنا وناصرنا وعليه يتوكل المؤمنون.
فقوله: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾.
قال ابن إسحاق: (ليخذِّلوا عنك أصحابك، ويردّوا عليك أمرك ﴿حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ﴾).
والمقصود: أن هؤلاء أهل النفاق لم يفوِّتوا فرصة منذ مقدمك المدينة - يا محمد - إلا أفادوا منها في محاولة لكيدك وكيد أصحابك وخِذلان دينك، حتى أظهر الله الإسلام وأبطل الجاهلية، وكشف سبل المنافقين، وأعز أولياءه وخذل أعداءه ﴿وَهُمْ كَارِهُونَ﴾.