قال ابن مسعود: من أنّ الله أمر نبيَّه - ﷺ - من جهاد المنافقين بنحو الذي أمره به من جهاد المشركين، وهو اختيار شيخ المفسرين - ابن جرير - رحمه الله. فإذا أظهر المنافقون نفاقهم أو طعنهم في الدين فإنهم يجاهدون بالسيوف.
قال القرطبي: (قوله تعالى: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ الغِلظ: نقيض الرأفة، وهي شدة القلب على إحلال الأمر بصاحبه. وقال: ومعنى الغِلظُ خشونة الجانب، فهي ضدّ قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٥]. ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: ٢٤]. وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصلح والصفح).
وقال ابن جرير: (وقوله: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾، يقول: ومساكنهم جهنم، وهي مثواهم ومأواهم، ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، يقول: وبئس المكان الذي يُصار إليه جهنم).
وقوله: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾.
إخبار من الله تعالى عن المنافقين أنهم يحلفون بالله كذبًا عن كلمةِ كُفْرٍ تلفظوا بها وتشدقوا بذكرها أنهم ما قالوها.
قال النسفي: (﴿وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾: وأظهروا كفرهم بعد إظهارهم الإسلام، وفيه دلالة على أن الإيمان والإسلام واحد، لأنه قال: وكفروا بعد إسلامهم).
وأما تأويل قوله: ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾، أي: من إطفاء نور الله بشكل من الأشكال، ومحاولة قتل النبي - ﷺ - أو التخلص منه بأي طريقة فأخزاهم الله.
وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد بسند رجاله ثقات عن أبي الطُّفيل قال: [لما أقبل رسول الله - ﷺ - من غزوة تبوك، أمر مناديًا فنادى: إنّ رسول الله - ﷺ - أخذ العقبة فلا يأخُذها أحد. فبينما رسول الله - ﷺ - يقوده حذيفة ويسوقه عَمّار، إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل، فغشوا عمارًا وهو يسوق رسول الله - ﷺ -، وأقبل عمار - رضي الله عنه - يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله - ﷺ - لحذيفة: "قَدْ، قَدْ". حتى هبط رسول الله - ﷺ -، فلما هبط نزل ورجع عمار، فقال: يا عمار، هل عرفت القوم؟ فقال: قد عرفت عامة الرواحل، والقوم متلثمون. قال: هل تدري ما أرادوا؟ قال: الله ورسوله أعلم.