وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنته، يعطى بها (وفي رواية: يثاب عليها الرزق في الدنيا) ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها] (١).
وأخرج النسائي بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: [جاء رجل إلى رسول الله - ﷺ - فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ قال رسول الله - ﷺ -: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات، يقول رسول الله - ﷺ -: لا شيء له. ثم قال: إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه] (٢).
٨٦ - ٨٧. قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٨٧)﴾.
في هذه الآيات: يخبر تعالى عن سلوك المنافقين عند نزول سورة تدعوهم إلى الإيمان بالله والجهاد مع رسوله، فإذا الأغنياء منهم يطلبون البقاء مع المرضى والضعفاء المعذورين.
لقد رضوا البقاء مع النساء اللواتي ليس عليهن فرض الجهاد، وإنما قد ختم الله على قلوبهم فهم لا يفهمون موعظة ولا يتدبرون مصلحتهم وما فيه نجاتهم وفوزهم.
فقوله: ﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ﴾.
قال ابن عباس: (يعني أهل الغنى). أو قال: (يعني الأغنياء).
والمقصود: نكولُ المنافقين عن الجهاد في سبيل الله مع وجود السَّعة والطَّول، وغياب العذر، إنما هو حب الدنيا وزينتها الفانية على حساب الآخرة ونعمتها الباقية.
وقوله: ﴿وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾. قال ابن جرير: (يقول: وقالوا لك: دعنا،

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨/ ١٣٥)، وأحمد (٣/ ١٢٥)، وانظر السلسلة الصحيحة (٥٣).
(٢) حديث حسن. أخرجه النسائي في "الجهاد" (٢/ ٥٩) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وحسنه العراقي في "تخريج الإحياء" (٤/ ٣٢٨).


الصفحة التالية
Icon