وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا: [مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى] (١).
وقوله: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
قال القرطبي: (وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن).
وقال النسفي: (﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ المعذورين الناصحين ﴿مِنْ سَبِيلٍ﴾ أي لا جناح عليهم ولا طريق للعتاب عليهم ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾ يغفر تخلفهم ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ولا سبيل أيضًا على النفر الذين إذا ما جاؤوك، لتحملهم، يسألونك الحُمْلان، ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداءِ الله معك، يا محمد، قلت لهم: لا أجد حَمُولة أحملكم عليها، ﴿تَوَلَّوْا﴾، يقول: أدبروا عنك، ﴿وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾، وهم يبكون من حزن على أنهم لا يجدون ما ينفقون، ويتحمّلون به للجهاد في سبيل الله).
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: [أتيتُ النبي - ﷺ - في رَهْطٍ من الأشعريِّين نَسْتَحْمِلُهُ، فقال: والله! لا أحْمِلُكُمِ، وما عندي ما أحملكُم عليه. قال: فَلَبِثْنَا ما شاء الله، ثم أُتِيَ بإبلٍ، فأمَرَ لنا بثلاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرا، فلما انطلقنا قلنا - أو قال بعضنا لبعض -: لا يُبارِكُ اللهُ لنا، أتَيْنا رسول الله - ﷺ - نَسْتَحْمِلُهُ فحلفَ أنْ لا يَحْمِلَنا، ثمَّ حَمَلَنا، فأَتَوْه فأخبروه، فقال: ما أَنا حَمَلْتُكم، ولكن الله حَمَلَكُم، وإني، والله! إن شاءَ الله، لا أَحْلِفُ على يمينٍ ثم أرى خيرًا منها، إلا كفَّرْتُ عن يميني وأتَيْتُ الذي هو خَيْرٌ] (٢).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦)، والبيهقي (٣/ ٣٥٣)، وأخرجه أحمد في المسند (٤/ ٢٧٠)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٦٤٩) - كتاب الأيمان - وأخرجه النسائي (٩١٧)، وأخرجه ابن حبان (٤٣٥٤) من حديث أبي موسى، وورد من حديث عمران بن حصين - أخرجه البخاري (٣١٣٣)، و (٤٣٨٥)، ومسلم (١٦٤٩)، وأحمد (٤/ ٤٠١).


الصفحة التالية
Icon