أحوال الدنيا عليهم، فإن ترضوا أنتم عنهم فاعلموا أن الله لا يرضى عن القوم الخارجين عن طاعته المكذبين برسوله.
قال القرطبي: (﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ﴾ يعني المنافقين. ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾ أي من تبوك. والمحلوف عليه محذوف، أي يحلفون أنهم ما قدروا على الخروج. ﴿لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ﴾ أي لتصفحوا عن لومهم).
وقال ابن عباس: (أي لا تكلموهم).
وقال النسفي: (﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ تعليل لترك معاتبتهم، أي أن المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم لأنهم أرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم).
قلت: والمقصود عملهم رجس ومنهجهم قبيح.
وقال القاسمي: (﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ من تمام التعليل، فالعلة نجاسة جبلتهم التي لا يمكن تطهيرها).
أخرج ابن جرير ورجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يقول: [لما قدم رسول الله - ﷺ - من تبوك جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فقبل منهم رسول الله - ﷺ -: علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، وصَدَقْتُهُ حديثي. فقال كعب: والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - ﷺ - ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إنَّ الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحد: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. إلى قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾] (١).
٩٧ - ٩٩. قوله تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ

(١) أخرجه ابن جرير ورجاله رجال الصحيح - ونحوه في صحيح البخاري من حديث كعب (٤٤١٨)، وصحيح مسلم (٢٧٦٩) - وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول - الوادعي - التوبة (٩٥ - ٩٦).


الصفحة التالية
Icon