فقال الأعرابي: والله ما أدري، اليمينَ يقطعون أم الشمال؟ قال زيد بن صوحان: صدق الله: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه﴾).
قال الحافظ ابن كثير: (ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله تعالى منهم رسولًا، وإنما كانت البعثة من أهل القرى، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩].
ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهديَّة لرسول الله - ﷺ - فردَّ عليه أضعافها حتى رضي، قال: "لقد هَمَمْتُ ألا أقبل هدية إلا من قُرشِيّ، أو ثَقَفي أو أنصاري، أو دَوْسي" (١)، لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن: مكة، والطائف، والمدينة، واليمن، فهم ألطف أخلاقًا من الأعراب، لما في طباع الأعراب من الجفاء).
قلت: وقد حفلت السنة الصحيحة بأمثلة عن قسوة الأعراب وجفاء معاملتهم وسلوكهم في أحاديث.
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن ابن شهاب: أخبرني عُبيد الله بنُ عبد الله بن عُتْبةَ: أن أبا هريرة أخبره أن أعرابيًا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله - ﷺ -[دَعُوه وأهْريقوا على بَوْلِهِ ذَنُوبًا من ماء، أو سَجْلًا مِنْ ماء، فإنما بُعثتم مُيَسِّرين، ولم تُبعثوا مُعَسِّرين] (٢).
الحديث الثاني: أخرج مسلم في صحيحه من حديث طلحة بن عبيد الله يقول: [جاء رجلٌ إلى رسول الله - ﷺ - مِنْ أهلِ نَجْدٍ، ثائِرُ الرأس، نسمع دويَّ صَوْتِه ولا نفقهُ ما يقول، حتى دنا من رسول الله - ﷺ -، فإذا هو يسأل عن الإسلام..] الحديث (٣).
الحديث الثالث: أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: [جاء أعرابي إلى
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح - حديث رقم - (٦١٢٨) - كتاب الأدب - باب قول النبي - ﷺ - "يسروا ولا تعسروا" ورواه مسلم وأهل السنن.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح - حديث رقم - (١١) - كتاب الإيمان - باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.