وقال النسفي: (﴿سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ أي جنته، وما في السين من تحقيق الوعد، وما أدل هذا الكلام على رضا الله عن المتصدقين وأن الصدقة منه بمكان إذا خلصت النية من صاحبها ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ يستر عيب المخل ﴿رَحِيمٌ﴾ يقبل جهد المقل).
وفي كنوز السنة الصحيحة من آفاق هذا المعنى أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [مَنْ تَصَدَّق بِعَدْل تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولا يقبل الله إلا الطَّيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يُرَبِّيها لصاحبها كما يُرَبّي أحدُكم فَلُوَّهُ حتى تكونَ مثلَ الجبل] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال: [ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عَبْدًا بِعَفْوٍ إلا عِزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله عز وجل] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ - يقول: [مَثَلُ البخيل والمُنْفِق، كَمَثَلِ رَجُليْنِ عَليْهما جُنَّتان من حديدٍ من ثُدِيِّهِما إلى تَراقِيهما، فأما المنْفِقُ، فلا يُنْفِقُ إلا سَبَغَت، أو وَفَرَتْ على جلدِهِ حتى تُخْفيَ بنانَهُ، وتَعْفُوَ أثرَهُ، وأما البخيل، فلا يريد أن ينُفِقَ شيئًا إلا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكانَها، فهو يُوَسِّعُها فلا تَتَّسِعُ] (٣).
قال الخطابي فيما نقله الحافظ في "الفتح" (٣/ ٢٤٢): (وهذا مثل ضربه النبي - ﷺ - للبخيل والمتصدق، فشبههما برجلين، أراد كل واحد منهما لبس درع يستتر به من سلاح عدوه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدرع أول ما يقع على الرأس إلى الثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها، فجعل المنفق كمن لبس درعًا سابغة، فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وجعل البخيل كمثل رجل غُلَّت يداه إلى عنقه، فكلما أراد لبسها اجتمعت إلى عنقه، فلزمت ترقوته، والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره، وطابت نفسه، فتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه، فضاق صدره، وانقبضت يداه).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه - حديث رقم - (٢٥٨٨).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣/ ٢٤١ - ٢٤٢)، وأخرجه مسلم - حديث رقم - (١٠٢١).