الكفر والنفاق وإيواء المجرمين، وتظاهرهم بالحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون.
ونَهْيُ الله نبيّه عن الصلاة فيه، فإن المسجد الأول الذي أُسِّسَ على التقوى هو الأحق للصلاة فيه، وفيه رجال مؤمنون متطهرون.
هل يستوي البنيان الذي أُسِّسَ على طاعة الله كالبنيان المؤسس على معصيته، والله لا يصلح عمل المفسدين.
لا يزال هذا البنيان القبيح نكتة سوداء في قلوب هؤلاء المنافقين حتى زوالهم عن الدنيا والله عليم حكيم.
فقوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ﴾.
قصّته: أن رسول الله - ﷺ - غزا غزوة تبوك في رجب (٩ هـ)، هي آخر غزوة غزاها - ﷺ -، فقد وصلت إلى المدينة أخبار إعداد الرومان، وأن جيشًا ضخمًا يوشك أن يكون على جاهزية لمرحلة فاصلة دامية مع المسلمين، ففرح المنافقون بهذه الأخبار، وأبْرَقَ لهم الشّيطان آمالًا من الخزي والعار، وكان أبو عامر الراهب - الذي سمّاه رسول الله - ﷺ - بالفاسق - قد فرَّ إلى قيصر بالشام، وكان هو الذي حزّب الأحزاب من قبل لقتال رسول الله - ﷺ -، فلما خذله الله لحق بالروم، وكتب إلى المنافقين في المدينة يأمرهم ببناء مسجد يتحَزّبوا به ضد رسول الله والمسلمين، وليكون بمثابة وكر للدس والتآمر يأمنون فيه، وليستعدوا لاستقباله فيه مع جيش الروم الزاحف.
قال ابن عباس: (قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾. قال: وهم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدًا، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، فأُخرج محمدًا وأصحابه! فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي - ﷺ - فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة) (١).
ويروي ابن إسحاق بسند حسن من حديث عاصم بن عمر بن قتادة قال: (وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا

(١) ذكره بسنده ابن جرير - تفسير الطبري -، سورة التوبة، آية (١٠٧).


الصفحة التالية
Icon