أبي سعيد فقلت: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ فقال: إني أتيت رسول الله - ﷺ - فدخلت عليه في بيتٍ لبعض نسائه فقلت: يا رسول الله: أين المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفًا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال: [هو مسجدكم هذا] (١).
واختاره ابن جرير رحمه الله، على أنه أولى القولين بالصواب.
قلت: والذي أميل إليه أن اللفظ قد أطلق في السنة الصحيحة على المسجدين معًا، فكلاهما أسس على التقوى، فإلى أيهما كان الحديث عنه سلك المعنى، فقد سبق في رواية البخاري عن عروة قوله: "فلبث رسول الله - ﷺ - في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأَسَّسَّ المسجد الذي أسس على التقوى". ثم قوله عليه الصلاة والسلام: "هو مسجدكم هذا" الذي رواه الإمام مسلم.
وقد مدح الله في القرآن المسجد الأول في الإسلام بقوله: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.
وكذلك جاء المدح من السنة المطهرة في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: [فإني سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة] (٢).
الحديث الثاني: روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [كان رسول الله - ﷺ يأتي مسجدَ قباء راكبًا أو ماشيًا، فيصلي فيه ركعتين] (٣).
فكان رسول الله - ﷺ - يتعاهد مسجد قباء فيزوره راكبًا وماشيًا ويصلي فيه، فَإنَّ ذِكْرَاهُ من أعطر الذكرى، فقد أسسه المسلمون على التقوى فكان بيت الحق والإيمان.
الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد وابن ماجه بسند صحيح من حديث سهل بن

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح - حديث رقم (١٣٩٨) - كتاب الحج.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح - حديث رقم (١٣٩٦) - كتاب الحج.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٣٩٩) - كتاب الحج -، أخرجه البخاري (١٩١١)، (١١٩٣) نحوه، وأخرجه النسائي (٢/ ٤٧)، وأحمد رقم (٤٨٤٦).


الصفحة التالية
Icon