وقوله: ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ﴾.
قال النسفي: (﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً﴾ في سبيل الله ﴿صَغِيرَةً﴾ ولو تمرة ﴿وَلَا كَبِيرَةً﴾ مثل ما أنفق عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة ﴿وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا﴾ أي: أرضًا في ذهابهم ومجيئهم وهو كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذًا للسيل، وهو في الأصل فاعل من ودى إذا سال، ومنه الودي، وقد شاع في الاستعمال بمعنى الأرض ﴿إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ﴾ من الإنفاق وقطع الوادي).
وقوله: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. أي: أرفع المراتب وأعلى الدرجات. وقد نال عثمان رضي الله عنه من هذه البشائر الحصة العظمى.
فقد أخرج الترمذي وأحمد والحاكم بسند حسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: [جاء عثمان، إلى النبي - ﷺ - بألف دينار في ثوبه حين جَهَّزَ النبي - ﷺ - جيش العُسرة - قال: فَصَبَّها في حِجْر النبي - ﷺ -، فجعل النبي - ﷺ - يقلبها بيده ويقول: ما ضرَّ ابن عفانَ ما عملَ بعد اليوم. يرددها مرارًا] (١).
وفي رواية: (فنثرها في حجره. قال عبد الرحمن: فرأيت النبي - ﷺ - يقلبها في حجره ويقول: ما ضَرَّ عُثمانَ ما عَمِلَ بعد اليوم مرتين).
وأخرج الإمام أحمد والترمذي بسند حسن في الشواهد عن عبد الرحمن بن خَبّاب السلمي قال: [خطب رسول الله - ﷺ - فَحَثَّ على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: عليَّ مئةُ بعير بأحلاسها وأقتابها. قال: ثم حث، فقال عثمان: علىّ مئة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: ثم نزل مرْقاة من المنبر ثم حَثَّ، فقال عثمان بن عفان: عَلَيَّ مئة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال: فرأيت رسول الله - ﷺ - يقول بيده هكذا - يحركها - "ما على عثمان ما عمل بعد هذا"] (٢).
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (٣/ ٥٥٩): (ومنها: ما برز به عثمانُ بن عفان من النفقة العظيمة في هذه الغزوة، وسبِق به الناس، فقال النبي - ﷺ -: غفر الله لك يا عثمانُ ما أسْرَرْتَ، وما أعْلَنْتَ، وما أخْفَيْتَ، وما أبْدَيْتَ. ثم قال: ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم، وكان قد أنفق ألف دينار، وثلاث مئة بعير بعُدتها وأحلاسها وأقتابها).

(١) حديث حسن. أخرجه الترمذي (٣٩٦٧) - مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه -، وانظر صحيح سنن الترمذي (٢٩٢٠)، وأخرجه أحمد (٥/ ٦٣)، والحاكم (٣/ ١٠٢) بسند حسن.
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد (٤/ ٧٥)، والترمذي (٣٧٠٠)، وإسناده لا بأس به في الشواهد.


الصفحة التالية
Icon