العظيم، وهذه الآيات هي آيات هذا الكتاب المحكم، الذي أحكمه الله وبيَّنه لعباده.
وفي التنزيل: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١].
قلت: ومن ذهب من المفسرين إلى أن المقصود التوراة والإنجيل أو الزبور فلا مناسبة له ولا وجه، بل السياق يدل على أن الوصف للقرآن الكريم.
وقوله: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾. قال ابن عباس: (لما بعث الله محمدًا رسولًا، أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، فقالوا: الله أعظمُ من أن يكون رسوله بشرًا مثل محمد! فأنزل الله تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ﴾، وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾ [يوسف: ١٠٩]).
وعن ابن ابن جريج قال: (عجبت قريش أن بُعث رجل منهم. قال: ومثل ذلك: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا﴾ [الأعراف: ٦٥]، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [الأعراف: ٧٣]، قال الله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٩]).
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أكان عجبًا للناس إيحاؤنا القرآن على رجل منهم، بِإنْذارِهِم عقاب الله على معاصيه، كأنهم لم يعلموا أن الله قد أوحى من قبله إلى مثله من البشر، فتعجّبوا من وحينا إليه).
وقوله: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ - فيه أقوال متقاربة:
١ - قال الضحاك: (ثواب صدق). وقال مجاهد: (﴿أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾، قال: الأعمال الصالحة). وقال ابن عباس: (يقول: أجرًا حسنًا بما قدموا من أعمالهم). وقال ابن أبي مغيث عن مجاهد: (صلاتهم، وصومهم، وصدقتهم، وتسبيحهم). وقال: (﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾: خير).
٢ - قال ابن عباس: (﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾، يقول: سبقت لهم السعادة في الذكر الأول).
٣ - وعن قتادة: (أي: سلف صدق عند ربهم). وعن الحسن: (﴿أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِم﴾، قال: محمد شفيع لهم).
واختار ابن جرير قول من قال: أن لهم أعمالًا صالحة عند الله، يستوجبون بها منه الثواب. قلت: ولا مانع من بقية المعاني، فمن أسلف في العمل الصالح ومات عليه