بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلبٌ واحد، يسبحون الله بكرة وعشيًا] (١).
قلت: وهذا يدل على ارتفاع العبادات والتكاليف عن أهل الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة.
ومعنى سبحانك هو تنزيه الرب تعالى وتعظيمه وإجلاله عما لا يليق به.
وقال علي رضي الله عنه: (هي كلمة رضيها الله تعالى لنفسه).
وقد أفاد ابن القيم رحمه الله في مفهوم هذه الآية فقال: (الدعوى مثل الدعاء، والدعاء يراد به الثناء ويراد به المسألة. وفي الحديث: أفضل الدعاء الحمد لله رب العالمين. فهذا دعاء ثناء وذكر يلهمه الله أهل الجنة. فأخبر الله سبحانه عن أوله وآخره، فأوله تسبيح، وآخره حمد يلهمونهما، كما يلهمون النفس. وفي هذا إشارة إلى أن التكليف في الجنة يسقط عنهم، ولا تبقى عبادتهم إلا هذه الدعوة التي يلهمونها. وفي لفظة ﴿اللَّهُمَّ﴾ إشارة إلى صريح الدعاء فإنها متضمنة لمعنى يا الله فهي متضمنة للسؤال والثناء) (٢).
١١ - ١٤. قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)﴾.
في هذه الآيات: إخبار الله تعالى عباده أنه لو يعجل استجابته لكثير من دعائهم أثناء غفلتهم كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم، ويَدَعُ سبحانه الذين لا يؤمنون بالحساب في تمردهم وغيّهم يترددون. إنه إذا نزل بالإنسان الضر سارع إلى الدعاء لكشفه، فإذا
(٢) انظر كتاب: "صفة الجنة في القرآن والسنة" - وانلي - ص (٢١٦ - ٢١٧).