تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)}.
في هذه الآيات: إخبار الله تعالى عن سلوك المستكبرين عند سماع قوارع القرآن تتلى عليهم، فهم في تنطع وغرور، يطلبون استبدال هذا القرآن في محاولة للنفور، فقل لهم يا محمد: إني لا أملك تبديله من تلقاء نفسي، وإنما أتبع ما يوحى إليّ من ربي، وإني أخاف إن تجرأت على الوحي نحو تجرئكم عذاب يوم عظيم. إنه لو شاء الله ما سمعتم هذا القرآن ولا علمتم به، فقد مكثت فيكم عمرًا قبل أن أتلوه عليكم أفلا تعقلون؟ ! إنه لا أحد أشد ظلمًا ممن افترى الكذب على الله أو تطاول على آياته إنه لا يفلح المجرمون.
فقوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ - إخبار من الله تعالى عن سوء سلوك الكافرين عند سماع حجج الحق وقوارع الوحي، فحاولوا صَرْفَ هذا البلاغ المبين والإنذار القويم إلى الهزل والتنطع بطلبهم غيره من نمَطٍ آخر، أو تبديله بغيره.
وقوله: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾. أي: قل لهم - يا محمد -: كيف لي أن أبدِّلَه وقد أوحاه الله إليّ، وإنما أنا رسول مُبَلِّغ عن الله تعالى.
وقوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
أي: إني أخشى إن بدلت وحيه - تعالى - وحولت حلاله أو حرامه إلى ما يناسب أهواءكم، وخالفت هديه ومنهاجه، فعصيته بذلك، عذاب يوم شديد الهول والآلام، يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وتحسب الناس سكارى وما هم بسكارى.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: لو شاء الله لم يعلمكموه). أو قال: (يقول: ما حذّرتكم به).