ثم انتقل الشرك إلى جزيرة العرب عن طريق الشقي عمرو بن لحي.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود، عن النبي - ﷺ - قال: [إنّ أول من سيَّبَ السوائب وعَبَدَ الأصنام أبو خزاعة عمرو بنُ عامر، وإني رأيته في النار يَجُرُّ أمعاءَه فيها] (١).
وقوله: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول: ولولا أنه سبق من الله أنه لا يهلك قومًا إلا بعد انقضاء آجالهم - لقضي بينهم بأن يُهلك أهل الباطل منهم، وينجي أهل الحق).
وقوله: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾. أي: يقول هؤلاء المشركون: لولا أنزل على محمد آية من ربه كدليل على ما يقول. قال ابن كثير: (يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة، أو أنْ يُحَوِّل لهم الصفا ذهبًا، أو يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهارًا، ونحو ذلك مما الله عليه قادر، ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله).
قلت: والإيمان بالله لا يحتاج إلى دليل، فكل ما في هذا الكون الفسيح من السماوات والأرض والجبال والبحار والرياح والأقمار والمجرات يدل على الخالق العظيم، وإنما كان التحدي في إثبات النبوة، فأكرم الله نبينا - ﷺ - بهذا القرآن العظيم الذي شده العرب وألقاهم أمامه حائرين، وحملهم عند سماع قوارع آياته فخروا ساجدين. وإنما حاولوا تنطعًا سؤال المعجزات كبقية الأمم، وهذا الذي سألوه زيادة يشكل إنكارها خطرًا مضاعفًا على منكريها كما قال تعالى:
١ - ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: ٥٩].
٢ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٦، ٩٧].
٣ - ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ [الأنعام: ١١١].