وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)}.
في هذه الآيات: إخبار الله تعالى عن مسارعة الناس إلى تناسي نعمة الله عليهم في إخراجهم من العسر إلى اليسر ومن الكرب إلى الفرج، بل إلى المكر في آياته والاستهزاء بشرعه، فقل لهم - يا محمد -: إن الله أسرع بكم مكرًا، وملائكته تكتب عليكم ما تمكرون. هو الذي يحملكم في البر والبحر آمنين، فإذا هاج البحر بكم ورأيتم الموت أخلصتم له الدعاء والدين، وعاهدتموه أن تكونوا من الشاكرين. فلما أنجاكم رجعتم إلى البغي متنكرين، وما بغيكم إلا على أنفسكم، فمآلكم إلى ربكم لو كنتم تعلمون.
فقوله: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ﴾. أي: فَرَجًا من بعد كرب، أو يسرًا من بعد شدة، أو عافية من بعد مرض، أو خِصْبًا من بعد جَدْب، أو مطرًا من بعد قَحْط، ونحو ذلك مما يجعل الله فيه بعد العسر يسرًا على الناس، ﴿إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾. قال مجاهد: (استهزاء وتكذيب).
وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا﴾. أي: قل - يا محمد - لهؤلاء المشركين المستهزئين بالحق وتعظيم الوحي ومنهاج النبوة، الله أسرع مِحَالًا بكم وهو يستدرجكم من حيث لا تشعرون.
وفي التنزيل: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٢].
ومن كنوز السنة الصحيحة في آفاق معنى الآية أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا رأيت الله تعالى يُعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك منه استدراج] (١).