نهاية المطاف إلى الله سبحانه، وهو مخبركم بجميع ما كنتم تعملون ثم مجازيكم بها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنّ إلا نفسه.
٢٤ - ٢٥. قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)﴾.
في هذه الآيات: تشبيهُ الله تعالى حقيقة هذه الحياة الزائلة بالماء أنزله من السماء فأنبت به النبات، فاستهلكه الناس والدواب والأنعام. إنه إذا ظهر حسن الأرض وبهاؤها، وظن أهلها بما أوتوا من علم التحكم بشؤونها والسيطرة على تقلباتها، أنزل الجبار أمره فيها، فجعلها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس عقابًا لأهلها، ويفصل سبحانه هذه الآيات لقوم يتفكرون. وهو - تعالى - يدعو عباده إلى الجنة دار السلام، والأمن والأمان، ويهدي من يستحق إلى صراطه المستقيم.
فقوله: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ﴾ - تمثيل لحقيقة حال هذه الحياة الفانية البالية. قال ابن كثير: (ضرب تعالى مثلًا لزهرةِ الحياة الدنيا وزينتها وسُرعَةِ انقضائها وزوالها، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بما أنزل من السماء من الماء، مما يأكلُ الناس من زَرْعٍ وثِمار، على اختلاف أنواعها وأصنافِها، وما تأكل الأنعام من أبّ وقَضْب وغير ذلك).
وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾.
إيذانٌ من الله تعالى بانهدام هذه الحضارة المادية الظالم أهلها، الذين أفادوا منها في البغي والظلم ونشر الفساد في الأرض، ولم ينتفعوا منها في إقامة العدل ورفع راية الحق، بل فرحوا بما أوتوا من العلم وظنوا أنهم تمكنوا من السيطرة على تقلبات الظواهر الطبيعية والكونية، فهنالك يأذن الله تعالى بوضع حدّ لهذا الكبر والغرور، إذ