الحديث الثالث: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق (١)، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خَلُّوا بيننا وبين الذين سَبَوْا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلثٌ لا يتوب الله عليهم أبدًا، ويُقْتَلُ ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلثُ لا يفتنون أبدًا، فيفتتحون قسطنطينية، فبيناهم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيحَ قد خلفكم في أهليكم فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبيناهم يُعِدُّون للقتال يسوّون الصفوف، إذْ أُقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم، فأمَّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لا نذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حَرْبَتِه] (٢).
وفي رواية من طريق ابن مسعود في تفصيل أكبر للحدث: [فبيناهم كذلك إذا سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ: أن الدَّجال قد خلفهم في ذراريّهم، فيرفضون - أي يتركون - ما في أيديهم، ويقبلون فيبعثون عشر فوارسَ طليعة، قال رسول الله - ﷺ -: إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وأَلوان خيولهم، هم خير فوارس، أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ].
والخلاصة: حتى إذا ظهر حسن الأرض وبهاؤها وتزينت بوسائل البذخ والترف والشهوات بما يسخط الله تعالى، وظن أهلها أنهم قد أصبحوا متحكمين بنباتها وصناعتها وآلاتها وتقلباتها جاء أمر الله فجأة بهلاك ما عليها من الحرث وآلات المكر والخزي ووسائل الترف في المعصية والكفر، فأحالها محصودة مهجورة خاوية على عروشها، كأن لم تكن اكتست بالأمس بألوان الكساء ومادّيات الحضارة وزخرفها.
وقوله: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. أي: نبيّنُها لقوم يعتبرون في حجج الله وآياته.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
قال قتادة: (الله هو السلام، ودارُه الجنة). وقال ابن كثير: (لما ذكر تعالى الدنيا

(١) موضع في بلاد الشام - من أعمال مدينة حلب.
(٢) حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم (٢٠٢٩)، كتاب الفتن. وصحيح مسلم (٨/ ١٧٧ - ١٧٨) - كتاب الفتن - باب: في قتال الروم وكثرة القتل عند خروج الدجال، للرواية بعده.


الصفحة التالية
Icon