وسرعة زوالها، رغَّبَ في الجنة ودعا إليها، وسَمَّاها دارَ السلام، أي من الآفات والنقائص والنكبات). وقال ابن جرير: (وهو يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن ركبه وسلك فيه إلى جِنانِه وكرامته).
٢٦ - ٢٧. قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧)﴾.
في هذه الآيات: إعلامٌ من الله تعالى أن ثواب الذين أحسنوا دخول جنات النعيم، وزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم، وبعد ذلك لا يغشى وجوههم كآبة ولا حزن، بل هم في السرور والملذات خالدون. وأمّا الذين ظلموا وكسبوا السيئات فيعتريهم خزي وهوان، وظلمة في الوجوه وسواد، ولا عاصم لهم من الله، وهم في النار خالدون.
فقوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾. أي: الجنة. قال ابن زيد: (الحسنى: الجنة). وتشمل ما فيها من القصور والحور والرضا عنهم والخلود في النعيم المقيم في بساتين عدن.
وقوله: ﴿وَزِيَادَةٌ﴾. هي النظر إلى وجه الرحمان تبارك وتعالى. قال قتادة: (وأما الزيادة، فالنظر إلى وجه الرحمان). وهو مروي عن أبي بكر وحذيفة وابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن والسدي ومحمد بن إسحاق، وجمهور كبير من أئمة السلف والخلف.
قلت: وقد ثبت ذلك أصلًا من خبر النبي - ﷺ - في سنته المطهرة.
ففي صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، عن صُهيب، عن النبي - ﷺ - قال: [إذا دخل أهل الجنّةِ الجَنَّةَ، قال يقول الله تبارك وتعالى: تُريدونَ شيئًا أزيدُكُم؟ فيقولون: ألَمْ تُبَيِّضْ وجوهَنا؟ أَلمْ تُدْخِلنا الجنة وتُنَجِّنا من النار؟ قال: فيكشِفُ الحجابَ، فما أُعْطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النَّظرِ إلى ربهم عزَّ وجل] (١). وفي رواية:

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٨١)، والترمذي (٢٥٥٢)، والنسائي في التفسير (٢٥٤)، وأخرجه أحمد (٤/ ٣٣٣)، والطبري (١٧٦٤١)، وابن حبان (٧٤٤١).


الصفحة التالية
Icon