الأنفس بما صدر عنها، وترجع الأمور إلى آمرها، ويحيق بالمستهزئين ما كانوا يفترون.
فقوله: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾. أي: نجمعهم في أرض المحشر، إنسهم وجنهم، وبرّهم وفاجرهم، ﴿جَمِيعًا﴾. أي: فلا نغادر منهم أحدًا. فهو في محل نصب حال.
وقوله: ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ﴾. قال ابن جرير: (أي: امكثوا مكانكم، وقفوا في موضعكم، أنتم، أيها المشركون، وشركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الآلهة والأوثان).
وفي التنزيل: قال تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤)﴾ [الصافات: ٢٢ - ٢٤].
وقوله: ﴿فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾. قال النسفي: (ففرقنا بينهم وقطعنا أقرانهم والوُصَل التي كانت بينهم في الدنيا). وقال ابن جرير: (يقول: ففرّقنا بين المشركين بالله وما أشركوه به).
وقوله: ﴿وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾. قال القاسمي: (إذ لم تكن عبادتكم عن أمرنا، بل عن أمر الشيطان، فكنتم عابديه بالحقيقة، بطاعتكم إياه، وعابدي ما اخترعتموه في أوهامكم من أباطيل فاسدة، وأمانيّ كاذبة).
وقال القرطبي: (وذلك أنهم ادعوا على الشياطين الذين أطاعوهم والأصنام التي عبدوها أنهم أمروهم بعبادتهم ويقولون ما عبدناكم حتى أمرتمونا).
قلت: ولا مانع من قولهم ذلك تملصًا من أمرهم لهم بالعبادة، وإنما يقولون اليوم ذلك كذبًا واحتيالًا للخلاص، عندما رأوا هول العذاب، وهذا ينطبق على حال بعض الشياطين والطغاة.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة: ١٦٦، ١٦٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٥، ٦].